حــوار الأديـــان
أصبح الخطاب الثقافى فى عالمنا العربى بوجه عام مُوَجَّها من الخارج ؛ فالغرب يصدر لنا بين الحين والآخر مصطلحات ثقافية ، ومنطلقات فكرية لننشغل بها ، إن تفسيراً وتوجيهاً وتأويلا ، وإن دفاعاً عن النفس ، وتوسلاً وتودداً بأن مفهوم هذا المصطلح ، أو ذاك ، بعيد عن هويتنا وتعاليمنا ، محاولين – بأسلوب التوسل الذى قد يصل أحياناً إلى المذلة والمسكنة – إقناعهم بأننا لسنا متشددين ، ولا عدوانيين ، ولا متطرفين . وأحياناً يذهب البعض من مفكرينا إلى أقصى حد ممكن ليقنعهم بأننا متحضرون ، حتى ولو أدى الأمر إلى التنصل من مسلمات دينية ، والتبرؤ من أساسيات فى منظومتنا الثقافية ، والابتعاد عن عادات وتقاليد تعتبر ركائز أساسية فى تكويننا الثقافى والدينى .
الأصـوليــة
صدر الغرب لنا بالأمس القريب مصطلح : " الأصولية " – وهو ترجمة لكلمة : Fundamentalism – مشوباً بالتطرف ، وعدم الاعتراف بالآخر ، ورفض كل ما هو جديد ، وإعلان الحرب على الحضارة الحديثة ، مستهدفاً تدميرها ، ومحوها من الوجود ، وأوهمونا بأن مصدر ذلك كله هم المسلمون الذين يجاهدون فى سبيل الله بالأسلحة والمتفجرات لإعادة بناء الدولة الإسلامية بالصورة التى كانت عليها فى صدر الإسلام . شنت الصحافة الغربية حرباً إعلانية على المسلمين متهمـة إياهم بأنهم أصوليون يحاربون الحضارة الحديثة ، ويعملون على تدميرها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، فتجاوب مثقفونا مع رجع صدى هذه الحملة ، محاولين التبرؤ من الأصولية ، وممن يدَّعون بأنهم أصوليون ، وداروا بذلك فى فلك التيار الغربى ؛ فكلما ظهر على ساحة الأحداث مسلم يدافع عن دينه ، اتهموه بالأصولية حتى ظن كثير من الناس أن صفة الأصولية وصمة عار ينبغى على المرء التبرؤ منها ، حتى لا يوضع اسمه فى قائمة المطاردين من " العدالة الدولية " ، مع أن الحقيقة التى كان يجب على مثقفينا أن ينتبهوا لها : هى أن كل مسلم يحافظ على دينه ، ويلتزم بتعاليمه هو أصــولى ، لأنه يتمسك بما جاء فى المرجعيات الأصلية للإسلام ، وهى : القرآن الكريم ، والسنة النبوية . فالمفهوم الغربى للأصولية يختلف عن المفهوم الإسلامى ، لأن الأصولية فى الغرب هى : حركة ظهرت فى أمريكا فى عام 1918م رداً على من كانوا ينقدون الإنجيل من الليبراليين ورجال الدين المتحررين . وأتباع هذه الحركة من عامة المسيحيين ، فهى رد فعل للهجوم الذى كان موجها إلى الإنجيل بقصد التشكيك فى صحته لزعزعة الإيمان به .
فالأصولية فى الإسلام ليست حركة كما كان الحال فى المجتمع المسيحى الأمريكى فى عام 1918م ، وإنما هى وصف لكل مسلم يتمسك بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، سواء كان ملتزما بظاهر النص ، أم كان مؤوِّلا له كى يتلاءم مع ظروف العصر ومتطلباته .
وهناك الكثير من المصطلحات التى يرددها الغرب عن الإسلام ، سواء كان ذلك عن جهل بتعاليم الإسلام ، أو سوء نية وقصد ، ولذا يجب على المسلمين أن يصححوا للغرب هذه المفاهيم بكل الوسائل ، ومن أهم هذه الوسائل :
الــحــــوار
فالحوار فى حد ذاته مطلب حيوى ، وضرورة قصوى ، لتصحيح هذه المفاهيم التى يتهم الغرب الإسلام – والمسلمين – بها ، من قبيل : أنه الدين الذى يدعو إلى القتل والاغتيال تحت شعار " الجهاد " ، وأنه الدين الذى يرفض معتنقوه التعايش مع " الآخر " ، فالمسلم فى ساحة التعامل مع الآخر إما قاتل أو مقتول ، وأن المسلمين – وخاصة العرب – شعوب متخلفة ، لايدركون للتقدم معنى ، ولا يعرفون أسس الحضارة فى السلوك والقيم ؛ لأنهم مرتبطون بالإسلام ، ذلك الدين القائم على الهمجية فى التفكير والسلوك ، ومعاداة التقدم العلمى فى أى مجال ، فهو دين الجمود والارتباط بالماضى ، والاستهانة بالحاضر ، وتجاهل المستقبل .
كل هذا يحتاج من المسلمين إلى بذل الجهد لتصحيح هذه المفاهيم ، ولعرض التعاليم الإسلامية الصحيحة فى ثوبها الأبيض الناصع ، بعيداً عن تشنجات المتشددين ، وشطحات المتطرفين ، وسلوكيات الجاهلين . ولكن قبل أن نخوض فيما يجب أن يكون عليه الحوار مع " الآخر " ، ونرسم موضوعاته ، ونوضح أهدافه ، يجب أن نركز أولا على الحوار مع " النفس " ، ونقصد به الحوار مع رموز التيارات والمذاهب الإسلامية داخل المجتمعات الإسلامية ، حتى يمكننا أن نرتب البيت من الداخل قبل الحديث مع " الآخر" ، ذلك أننا نواجه دائماً فى لقاءات عديدة بسؤال يكاد يكون بألفاظ واحدة ، ألا وهو : عن أى إسلام تتحدثون ؟ عن الإسلام الشيعى أم السنى ؟ عن التيار السلفى ، أم عن تيار المجددين ؟ عن مفهوم طالبان أم عن تصور تنظيم القاعدة ، وجبهة الإنقاذ الجزائرى وجماعة التكفير والهجرة وأمثالها ؟ عن المتمسكين بظاهر النصوص المنكفئين على الماضى ، أم عن " العقلانيين " المتهمين من السلفيين بالزندقة ؛ لأنهم يحاولون التوفيق بين النصوص المقدسة ومعطيات العص ، ومتطلبات الحضارة الحديثة ؟
ومما لاشك فيه أن تصحيح هذه المفاهيم الذى علقت بذهن " الآخر " نتيجة التمزق والتفرق فى ساحة الفكر الإسلامى ، يأخذ وقتاً طويلا ، وجهداً خارقاً ، الأمر الذى يحتم علينا أن نتحاور مع بعضنا أولا ، كى نرسم خريطة الحوار مع " الآخر " ، حتى ولولم نصل من هذا إلا إلى تحديد أهداف الحوار مع " الآخر " . فتحسين الصورة الإسلامية بقدر الإمكان على الساحة الدولية أمر مهم ، خاصة وأننا نملك الأسس التى يمكن أن نتفق عليها ، ألا وهى : القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، إذ يمكننا أن نختار الآيات التى ترسم لنا الأسلوب والمنهج الذى نتفق عليه ، مسترشدين بقوله تعالى : "... وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ....." [ الأنفال : 46 ].
No comments:
Post a Comment